الكلمة عميانة

سعيد أنت يافتى لو أنك منحت حظا من الحجّة في الحديث وتطييب الخواطر وفي هندسة الوجدانات . فلا تزال ( الكلمة ) في عمى أو ( أمى) بالنوبية ، من أمرها لو لم تمسك بيدها وتقودها بيسر وسلاسة من منشأها إلى مسامع محدثك .
فالكلمة أداة للتعلم والتخاطب ورسول بين العشاق ، بها يفصل بين المتحاكمين ويصلح بين المتخاصمين ؛ وهي الجواز العبر للقارات والمختوم بكل اللغات ، وهي إما أن تكبك في النار أو تصعد بك إلى الأعلى والأرقى .
ولو أنك أرسلتها من دون دراية ولا تشذيب ولا مفاكرة لعواقبها ؛ ومن دون الإستفادة من نظرية ( معاينة اللحظة الأخيرة ) قبل الإطلاق ؛ فسافرت مخترقة الآذان لتستقر في الباطن البعيد ، فإنه يصعب عليك ردها او ردمها بعشرات التأسفات . فما تكسر وانشرخ سيبدو مكلفا إعادة رصفه وبنيانه .
فصناعة الكلام من أبهظ الصناعات وأكلفها، والكلمة أخطر من السلاح ،وهي حين تشذ أو تخبث فإنها تشيع التعاسة وتبدد الطمأنينة ؛ تلتهم الأخضر وتمضي نحو اليابسة ، تحيل النور ظلمة والسعادة إلى كآبة .
عرف العرب ؛ حين الجهالة وبعد الإسلام ؛ صناعة الكلام وتجويده وإختيار أحاسنه وتوقيتاته ؛ فقد تألق جدنا الحبيب العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وأجاد حين سئل : من أكبر أنت أم النبي ؟ فقال : هو أكبر مني وأنا ولدت قبله ..
والفاروق لما مر ليلا ورأى نارا نادى اهلها : يا أهل الضوء ولم يقل يا أهل النار .
فالكلمة الطيبة تكسبك الخلود وتفرزك لترتبك في طائفة الأطهار الأخيار ، والكلام اللين بنافس الحق البين .. وقديما قيل : ما بضر إلا الكلام المر .
ويعتبر أهل اليمن ألين الشعوب قلبا وأرق فؤادا وفي الحديث الصحيح :: الفقه يمان والحكمة يمان …و من الحكمة يتدفق الخير الكثير ومن غير الحكيم من يجيد الكلام ويعطر الباطن .
للسعوديين طرفة تقول : السوداني طيب القلب بس لا تخجو ؛ وهذه الخجة تشبه ( الكفتيرة ) إذا فارت أو اللديتر إذا سخن وصل الحد لكنها ( خجة ) ليست محمودة ولا مرغوبة .
بينمايعد اليابانيون أكثر أهل الأرض تحفظا وأقلهم كلاما ؛ فالكثرة تورث الثرثرة ومنها تنشق المطبات وتزداد ( العوجات) ، تتسع رقعة الحديث الفضي ويتراجع الصمت الذهب ..
وكلكم يعرف فرق السعر بين المعدنين أو بالأحرى بين ( اللسانين)
ودمتم